ماليزيا الوجهة المفضلة للسياح المسلمين حول العالم

صدر المؤشر العالمي للسياحة الإسلامية عام 2018، وهو المؤشر الذي يصدر سنويًّا لبيان أي الوجهات يُفضلها المسلمون حول العالم للسياحة؛ متخذًا في اعتباره 130 دولة في التصنيف. الجدير بالذكر أن المؤشر صدر للمرة الأولى عام 2011، ليعتبر تقرير المؤشر هذا العام هو التقرير الثامن.
ربما يعتقد الكثيرون أن وجهة المسلمين الأولى حول العالم هي المملكة العربية السعودية؛ نظرًا إلى وجود عدد من المعالم المقدسة للمسلمين، كالمسجد النبوي، والحرم المكي، على سبيل المثال وليس الحصر. ولكن المفاجأة أنه في التقرير الأخير الصادر عن المؤشر العالمي للسياحة الإسلامية، فإن المرتبة الأولى جاءت من نصيب ماليزيا، وليست من نصيب المملكة العربية السعودية. يحاول هذا التقرير العمل على بيان المؤشر وشرحه، ومنهجيته، مع البحث في سبب تصدر ماليزيا المؤشر.
الجدير بالذكر أن المؤشر بشكلٍ رئيسي يقيس أكثر المدن جذبًا للسياح المسلمين؛ قد تحصل دولة على درجة عالية في المؤشر نظرًا إلى توافر السياحة الحلال فيها، وقد تحصل دولة أخرى على درجة عالية رغم أنه لا تتواجد فيها السياحة الحلال. ومن هنا يمكن أن نؤكد أن السياحة الحلال هي مجرد مؤشر فرعي لتصنيف الدول الأكثر جذبًا للسياح المسلمين، ولكنها ليست المؤشر الرئيسي الذي يحدد مكانة الدولة لدى السياح المسلمين؛ فليس دائمًا ما يبتغي السياح المسلمون الوجهات المختلفة فقط من أجل السياحة الحلال.
من يصدر المؤشر؟ وما هي معايير التصنيف؟
يصدر المؤشر العالمي للسياحة الإسلامية بالتعاون بين مؤسستين رئيسيتين هما: شركة «كريسنت رايتنج»، و«ماستر كارد». وبدايةً من الأخيرة، فإن شركة «ماسترد كارد» العالمية المعروفة -إذ إنها هي الشركة المختصة في ما يعرف باسم تكنولوجيا المدفوعات، أو المدفوعات الإلكترونية، على مستوى العالم- هي الشركة التي تملك أكبر وأسرع شبكة للمدفوعات الإلكترونية في العالم، وتربط بين المستهلكين، والمؤسسات المالية، والتجار، والحكومات، والشركات المختلفة، وذلك في أكثر من 210 دول وأقاليم حول العالم. وبالإضافة إلى ذلك، فإنها تقدم حلولًا وتحليلاتٍ تعمل على تسهيل عدة مناحٍ مثل: التجارة اليومية، والسياحة، والتسوق، والسفر، وإدارة الأعمال، وإدارة الشؤون المالية، وتجعلها أكثر أمانًا، وأكثر كفاءة لجميع الأطراف.

وأمَّا شركة «كريسنت ريتنج»، فهي المؤسسة الأكبر عالميًّا فيما يخص السياحة الإسلامية؛ فقد تأسست الشركة عام 2008، ويستعين بها عدد من القطاعات المختلفة المختصة بالسياحة؛ سواء من الهيئات الحكومية، أو وكالات السفر، أو حتى الأفراد أنفسهم، وذلك من أجل الحصول على أفضل خدمة للمسلم المسافر.
وبحسب الموقع الإلكتروني للشركة، فإنها تتطلع إلى القيادة والابتكار ودفع عجلة النمو في هذا القطاع من خلال حلول عملية وملائمة، إذ يعتبر اليوم من أكثر الفئات نموًا في قطاع السفر. وتستخدم الشركة أساليب في فهم واستكشاف أنماط الحياة والسلوك واحتياجات المسافر المسلم، وذلك من أجل تقديم إرشادات بخصوص «السفر الحلال» لجميع الشركات حول العالم، وتشمل الخدمات التي تقدمها «كريسنت ريتنج» التصنيف والاعتماد، والبحوث والاستشارات، وورش العمل والتدريب، والترتيب والمؤشرات، وتقديم الدعم أو الشراكة للفعاليات والمناسبات، إلى جانب توفير المحتوى.
وفي ما يتعلق بمعايير التصنيف، فإن الشركتين اتخذتا في اعتبارهما عدة معايير وصل عددها إلى سبعة معايير، وهي: أعداد المسلمين في المناطق المختلفة، مع بيان مناطق تمركزهم، بالإضافة إلى مستوى دخل الشخص المسلم حول العالم، لبيان مدى قدرته على الحصول على الخدمات، والاتجاه إلى وجهات غالية الثمن من عدمه، فضلًا عن سن السياح المسلمين؛ إذ إن الشباب هم الأكثر ميلًا للقيام بالسياحة الإسلامية حول العالم، بالإضافة إلى معايير أخرى مثل مدى ملاءمة الوجهة سياحية لتكون وجهة عائلية مناسبة لقضاء العطلات، ومستوى الخدمات والمرافق المتوفرة، وخيارات الإقامة، والمبادرات التسويقية، إلى جانب استقبال الزوار والوافدين، بالإضافة إلى الربط بين الرحلات الجوية، والقيود على تأشيرات الدخول، وأخيرًا توفير الاحتياجات اللازمة للسفر في شهر رمضان.
نظرة على السياحة الإسلامية
تعتبر السياحة الإسلامية، والتي يُطلق عليها إعلاميًّا اسم «السياحة الحلال» أحد أبرز أنواع السياحة نموًا في العالم بأكمله، وخاصةً في السنوات الأخيرة، ويقصد بهذا النمط السياحي الجديد الفنادق والمنتجعات السياحية التي تحرص على عدم تقديم أي برامج أو وجبات ومأكولات أو أنشطة مخالفة للشريعة الإسلامية.
وقد تأتي في صدارة الممنوعات المشروبات الكحولية، وصالات لعب القمار، والملاهي الليلية، ومرافق الترفيه المنفصلة للرجال والنساء والمناسبة للأُسر، بالإضافة إلى وجود مناطق شاطئية خاصة للنساء فقط، ومناطق شاطئية مختلطة للعائلات مع مراعاة السباحة بالزي الإسلامي.
وتشكل السياحة الإسلامية حوالي 10% من إجمالي قطاع السفر العالمي. يساعد هذا المؤشر كلًّا من الوجهات السياحية وشركات الخدمات السياحية والمستثمرين على مراقبة نمو قطاع السفر وأدائه، في حين يمكن لكل منها تقييم التقدم الذي تحققه للوصول إلى السوق المتنامية بشكل منفصل.
وتُقدَّر رحلات السفر السياحية التي يقوم بها المسلمون حول العالم بما قيمته 220 مليار دولار سنويًّا تقريبًا، ومن المتوقع أن ينمو بزيادة تبلغ 80 مليار دولار بحلول عام 2026، لتصبح قيمة السياحة الإسلامية حينها حوالي 300 مليار دولار سنويًّا.
وفيما يخص الأعداد، فإن هناك حوالي 131 مليون سائح مسلم سنويًّا إلى دول مختلفة حول العالم، وذلك بزيادة 10 ملايين سائح على عددهم في عام 2016، والذي بلغ 121 مليون سائح فقط. ومن المتوقع أن يزداد هذا العدد ليصل إلى 156 مليون سائح مسلم بحلول عام 2020.
أي الدول الإسلامية يُفضلها المسلمون أكثر؟ وأي الدول غير الإسلامية يفضلونها؟
انقسم تقرير المؤشر داخليًّا للتفريق بين جزئين؛ فالجزء الأول هو ذلك المتعلِّق بأفضل الوجهات التي يُفضلها المسلمون من الدول الإسلامية، وأمَّا الجزء الثاني فهو ذلك المتعلق بأفضل الوجهات التي يُفضلها المسلمون من الدول غير الإسلامية. وفي ظل وجود بعض الانقسامات بشكلٍ عامٍ حول اعتبار الدولة إسلامية من عدمه، فإن المؤشر يفترض أن كل دولة عضو في منظمة التعاون الإسلامي هي دولة إسلامية، وأمَّا من خارجها من غير الأعضاء، فهي دول غير إسلامية.
ويقوم المؤشر بشكلٍ عامٍ على حساب المعايير المختلفة، بحيث يكون المجموع من 100 لأفضل الوجهات التي يختارها المسملون من أجل السياحة.

الجدير بالذكر أن هناك ثلاثة مراكز ضمن المراكز الخمسة الأولى لأفضل وجهات المسلمين حول العالم هي لدولٍ غير عربية، وهي: ماليزيا، وإندونيسيا، وتركيا. يأتي هذا في الوقت الذي حافظت فيه ماليزيا على موقعها في المركز الأول لتعتبر أفضل وجهات المسلمين حول العالم لأعوام.
وفي ما يلي أفضل 10 وجهات يُفضلها المسلمون حول العالم الإسلامي:
1- ماليزيا– 80.6 نقطة.
2- إندونيسيا– 72.8 نقطة.
3- الإمارات العربية المتحدة– 72.8 نقطة.
4- تركيا– 69.1 نقطة.
5- المملكة العربية السعودية– 68.7 نقطة.
6- قطر– 66.2 نقطة.
7- البحرين– 65.9 نقطة.
8- عُمان– 65.1 نقطة.
9- المغرب– 61.7 نقطة.
10- الكويت – 60.5 نقطة.
وفي الوقت نفسه، قد لا تكون جميع محاولات سفر المسلمين لمجرد السياحة الدينية فقط، وإنما قد تكون من أجل السياحة الحلال، أي الاستمتاع بالطبيعة، والجو الجميل، والمناظر الخلَّابة، ولكن في إطار المسموح به دينيًّا لدى المسلمين؛ ولذلك، فإن عددًا من الدول الغربية أيضًا هي وجهاتٍ جاذبة للسياح المسلمين حول العالم.

وفي ما يلي أفضل 10 وجهات يُفضلها المسلمون حول العالم من الدول غير الإسلامية:
1- سنغافورة– 66.2 نقطة.
2- تايلاند– 56.1 نقطة.
3- المملكة المتحدة– 53.8 نقطة.
4- اليابان– 51.4 نقطة.
5- تايوان– 49.6 نقطة.
6- هونج كونج– 49.6 نقطة.
7- جنوب أفريقيا– 47.7 نقطة.
8- ألمانيا– 45.7 نقطة.
9- فرنسا– 45.2 نقطة.
10- أستراليا– 44.7 نقطة.
كيف أصبحت ماليزيا هي الوجهة المفضلة لدى المسلمين حول العالم؟
على مدار ثماني سنوات، ظلت ماليزيا في مركزها الأول في المؤشر العالمي للسياحة الإسلامية، لتُبقي على موقعها باعتبارها أفضل وجهة للمسلمين حول العالم؛ وذلك منذ إصدار التقرير الأول للمؤشر عام 2011، وحتى تقرير هذا العام الذي صدر منذ أيام.
استمرار ماليزيا على قمة الترتيب، متفوقة على الدول التي تحتوي على المواقع الأكثر قدسية في حياة المسلمين -المملكة العربية السعودية- جاء بسبب عدة عوامل مختلفة في مجالات مختلفة، ساهمت أخيرًا في وجود ماليزيا، وبقائها على قمة التصنيف.

السبب الأول الذي ساهم بشكلٍ كبيرٍ في وجود ماليزيا على قمة ترتيب الوجهات الأفضل للمسلمين حول العالم جاء مُخططًا له منذ عام 2001. فمنذ هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، كان من الصعب للغاية على العديد من المسلمين السفر إلى أوروبا، والولايات المتحدة الأمريكية، ومن هنا قررت ماليزيا التدخل، وفتح عاصمتها، كوالالمبور، من أجل استقبال أولئك الذين لم تستقبلهم أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.
أمَّا عن السبب الثاني، فإن ماليزيا حاولت أن تجمع لزُوارها بين ما أرادوا أن يروه في أوروبا، وما يحبونه في بلدانهم الأم، مع الطبيعة الهائلة؛ إذ إنها جمعت بين الطراز الحديث المتمثل في ناطحات السحاب، والبنوك الدولية، والتماثيل الضخمة في أواسط المدن، والمراكز التجارية المختلفة، كل هذا جنبًا إلى جنب العشب الأخضر الزاهي المتواجد بشكلٍ عام بمساحات واسعة وكبيرة في جميع أنحاء البلد.
قد يظن الكثيرون -بسبب اعتبار ماليزيا هي الوجهة الأفضل للمسلمين حول العالم- أنها غالبًا ما تحتوي على الديانة الإسلامية فقط، إلا أن هذه المعلومة غير صحيحة؛ إذ إن ماليزيا بها العديد من الديانات، إلا أن نسبة المسلمين هناك من السكان تصل إلى 60% فقط، فضلًا عن استقبالها أكثر من 5 ملايين سائح مسلم سنويًّا، بالرغم من أن عدد سكانها الكلي حوالي 30 مليون نسمة فقط.

سبب آخر كان رئيسيًّا في اعتبار ماليزيا هي الوجهة الأفضل للسياح المسلمين، كان في ما يتعلق بالتسهيلات الخاصة بالطقوس الدينية الإسلامية؛ إذ لجأت ماليزيا إلى إدخال بعض التعديلات على القوائم الرسمية من الطعام، والخدمات، وغيرها، وذلك من أجل العمل على راحة السياح المسلمين؛ فقامت بتوفير الطعام الحلال بحسب الشريعة الإسلامية، وتوفير غرف للصلاة متاحة طوال الوقت، فضلًا عن وجود مناطق مخصصة للوضوء.
ليس هذا فقط؛ بل إن الحكومة تعمل على مساعدة السياح المسلمين خاصةً في شهر رمضان، ولذلك فإنها تقدم المشورة والمساعدة لمختلف الأطراف في البلاد، وذلك من أجل إمدادهم بمواعيد طلوع الشمس، وغروبها.
الجدير بالذكر أن عمل ماليزيا على جذب السياح المسلمين جاء بسبب تركيزهم خلال السنوات القليلة الماضية على السياحة الحلال، والتي قد تُشكِّل جذبًا للسياح المسلمين حول العالم. وبالرغم من ذلك، فإن ماليزيا في الوقت نفسه لم تمنع أيًّا من الطقوس غير المُحللة في الدين الإسلامي؛ إذ يتوافر فيها المشروبات الكحولية، والخمور، إلى جانب وجود مساحة كبيرة للحريات الدينية في البلاد، وممارسة الطقوس الدينية للديانات المختلفة؛ إذ يوجد أكثر من 20% من سكان ماليزيا من البوذيين، إلى جانب وجود حوالي 7% من السكان من الهندوس.
وبالتالي فإن ماليزيا لم تعمل فقط على تركيز معالمها السياحية من أجل المسلمين؛ بل إنها عملت على وجود تسهيلات لمختلف السياح من مختلف البلاد والديانات؛ فهي تراعي السياح المسلمين بوجود تسهيلات متعلقة بالدين الإسلامي، مثل :توفير الأكل الحلال، وأماكن للوضوء، وأماكن للصلاة، وفي الوقت نفسه تراعي السياح غير المسلمين بتوفير أيضًا تسهيلات وتفضيلات لهم مثل: الخمور، والملاهي الليلية.