لاجئون سوريون في بريطانيا: طموحات وحكايات نجاح
استقر أكثر من 17 ألف لاجيء سوري، من الفارين من الحرب الأهلية، في بريطانيا على مدار الأعوام الخمسة الماضية.
واجتهد الكثيرون منهم للتغلب على التحول الثقافي أثناء محاولتهم خلق حياة جديدة.
ومن المتوقع أن يفد ثلاثة آلاف مهاجر بنهاية عام 2020، ضمن برنامج حكومي لإعادة توطين الأشخاص المعرضين للخطر.
يروي ثلاثة من اللاجئين السوريين لـ بي بي سي تجربة الاندماج والانخراط في المجتمع البريطاني.
“السمك يوم الجمعة”
يعد النزوح من بلد مزقته الحرب تجربة قاسية، لكن خوض هذه التجربة مرتين تسبب في صدمة لـ غني، البالغ من العمر 37 عاما.
ولد غني، الذي يمتهن حلاقة الشعر، في الكويت. واضطرت أسرته للهرب من الحرب في الكويت إلى سوريا لبدء حياة جديدة.
لكن الأمر لم يكن سهلا، وخاضت الأسرة صراعات كثيرة، إذ يقول غني إنهم اضطروا للعيش بلا مأوى لبعض الوقت. وتسبب هذا الضغط الشديد في وفاة والده بأزمة قلبية.
ولاحقا، في عام 2011، خاضت الأسرة التجربة مرة ثانية.
ويقول غني: “عملنا بجد لبدء حياة جديدة في سوريا. كان الأمر صعبا والموقف قاسيا. كنت أمتلك محل الحلاقة الخاص بي (في سوريا)، وفجأة اندلعت الحرب”.
“اندلعت النيران كانت في كل مكان”.
رحل غني إلى لبنان، مصطحبا والدته وأخواته الثلاثة، وكانت إحداهن تعاني من صعوبات شديدة في التعلم. وعاشت الأسرة في لبنان لمدة ثلاث سنوات قبل الاستقرار في هادرزفيلد عام 2016.
ويقول: “أشعر أن 19 يوليو/تموز 2016 عيد ميلاد جديد. أصبحت لدي حياة جديدة”.
“لا يهمني ما يقوله الناس عن هادرزفيلد، إنها آمنة وأشعر أنني في وطني”.
يحلم غني بتأسيس مدرسة لتعليم الحلاقة، وقال إن المجتمع المحلي “بمثابة عائلته الكبرى”، إذ ساعده الكثيرون على تعلم اللغة الإنجليزية، والحصول على وظيفة، والاندماج في المجتمع.
“مررت بصدمة حضارية. لم نكن نعلم أي شيء، وكل شيء كان مختلفا، من حيث اللغة وطريقة الكلام ولغة الجسد”.
“لكن الناس في هادرزفيلد ودودون. ساعدوني كثيرا في التعرف على الثقافة البريطانية، مثل أكل السمك يوم الجمعة”.
ورغم أن غني يتحلى بروح “منفتحة وإيجابية” بشأن مستقبله في التدريس، إلا أنه ما زال يعاني من “ذكريات الحرب في الكويت”.
“ثمة صبي بداخلي يصرخ ويبكي لأننا فقدنا كل شيء”.
“أرى الدم في كل مكان”.
أحد المتنمرين قال إنني إرهابية
رحلت الشابة من سوريا في سبتمبر/أيلول 2014، وتوجهت إلى لبنان بصحبة أسرتها.
وقالت إن النزوح إلى بلد مجاور “تجربة قاسية وتفرض الكثير من التحديات”.
“لم نر أي مستقبل في سوريا أو لبنان”.
وتابعت: “كان الوضع أسوأ في لبنان، ولم نلق معاملة حسنة. واجهنا الكثير من العنصرية لأن البلد به الكثير من اللاجئين، ولم يكن الناس ودودين”.
وبعد عام، انتقلت الأسرة إلى هول، لكن التكيف على الحياة في المملكة المتحدة كان تجربة شديدة الصعوبة.
“هول مدينة جميلة. أنا سعيدة جدا هنا، لكن بالطبع كانت هناك بعض التحديات”.
“كان من الصعب تكوين صداقات في البداية لأننا لم نتمكن من التواصل مع الطلبة الآخرين”.
وقالت إن “بعض الناس لم يتقبلوننا” في بداية الأمر، وتعرضت للتنمر في المدرسة الثانوية، الأمر الذي زاد من صعوبة الاستقرار.
“أحد الطلبة قال إنني إرهابية، فحزنت بشدة”.
وتأمل استير أن تصبح مصممة أزياء، وبدأت السنة الدراسية الثانية والنهائية في كلية هول.
“الآن أستمتع بالحياة”.
“ودائما ما أبذل جهدا لأندمج في البيئة المحيطة”.
“لسنا مثيرين للمشاكل”
واستقلت الأسرة “آخر طائرة” تغادر حلب إلى مصر، وكان بعمر السادسة عشر آنذاك، ثم رحل إلى المملكة المتحدة بعد عامين.
لكن النزوح تطلب بعض التضحيات، من بينها التخلي عن دراسته.
ويقول: “أتمنى لو لم تكن هناك حرب، لأنه لولا الحرب، لكنت أصبحت مديرا في سوريا الآن”.
وتابع: “للأسف، اضطررت للتخلي عن دراستي، والذهاب إلى مصر والإنفاق على عائلتي هناك”.
وأنهى أنس دورات اللغة الإنجليزية وتكنولوجيا المعلومات والإدارة، وحاليا يعمل في إحدى شركات الإصلاحات.
“وعندما أتذكر نفسي عندما وفدت إلى بريطانيا، كنت كما الطفل الرضيع. لم أنطق كلمة واحدة بالإنجليزية. كان الأمر شديد الصعوبة”.
“وعملت في الكثير من الوظائف منذ وصولي إلى هذا البلد، وكانت كلها بدوام كامل”.
وتابع: “الآن أصبح لدي بيت وسيارة. نحن لسنا مثيرين للمشاكل”.
ويطمح أنس إلى أن يصبح مدير فرع في الشركة التي يعمل فيها. ويرى أن العامل الأساسي في الاندماج في أي بيئة جديدة هو “الكثير من العمل الشاق والتدريب”.
“الحياة ليست سهلة. عليك المحاولة. وإذا لم تحاول، لن تحصل على شيء في الحياة”.