(المختفون السوريون) في متحف الهولوكوست التذكاري في واشنطن
سارة أفشر هي المخرجة، ونيكولا كوتشر هي منتجة الفيلم الوثائقي (المختفون السوريون) الذي عرض أول مرة في القناة الرابعة الإنكليزية، في 23 آذار/ مارس 2017.
غطت هذا الحدث، بالنقد والتحليل، جميعُ الصحف البريطانية. صحيفة (التايمز) قالت: إنه فيلم وثائقي رائع، ومنحته تقويم النجوم الخمسة. القناة الرابعة هي من كلفت شركة سارة أفشر، بإنتاج هذا الفيلم الذي استغرق إنتاجه ثمانية عشر شهرًا. أجرت سارة ونيكول مقابلات مع العديد من الناجين من الاحتجاز، وكانتا تواجهان مشكلة كبيرة تعيق عملهما، وهي أن الكثيرين لم يتمكنوا من التحدث إلى الكاميرا، خوفًا من تداعيات ظهورهم على الشاشة، أو حتى مجرد ذكر أسمائهم خوفًا على أحبائهم في سورية. هناك عائلات أخرى حددت أقاربها في صور قيصر، ولكن مرة أخرى كان معظمهم خائفين جدًا من إخبار قصصهم علنًا، إلا أن سارة ونيكولا وفقتا بإجراء مقابلات طويلة، مع والدة الشهيد الطبيب أيهم غزول، واسمها مريم الحلاق التي وصفتاها بالشجاعة مع الشابين الناجيين من سجون الموت: مازن ومنصور اللذين شاركا، بقصصهما المريعة، في هذا الفيلم الوثائقي البالغ التأثير. قالت نيكولا: كانت أصواتهم قوية بالنيابة عن جميع الذين ما يزالون يعذَّبون في الاحتجاز، وهم يرغبون ويناضلون، بلا كلل، من أجل حريتهم، وفي سبيل رؤية العدالة والمساءلة تنصفهم. قالت المخرجة سارة: نأمل أن يُستمَع إلى قصصهم على نطاق واسع.
حتى الآن عُرِض الفيلم في الدنمارك وأستراليا، ومن المقرر أن تُعرَض النسخة العربية على قناة الجزيرة في المستقبل القريب، وسيُعرض الفيلم في البرلمان الأوروبي، في الثامن من حزيران/ يونيو القادم، ويأمل فريق الفيلم بعرضه في مدن ألمانيا قريبًا، وإجراء حوار رفيع المستوى حول القضية التي رصدها الفيلم في برلين، وتخطط منظمة العفو الدولية لعرض الفيلم على نطاق واسع، ولا سيما في اليوم الدولي للمختفين، في 30 آب/ أغسطس القادم. أهم العروض كان في نيويورك، وقبله في متحف الهولوكوست الشهير بواشنطن، عاصمة الولايات المتحدة الأميركية. في متحف الهولوكوست التذكاري عُلقت على الجدران صور لثلاثة عشر ألف شهيد سوري تحت التعذيب، سرّبها ضابط سوري منشق، أُطلق عليه لقب: القيصر السوري، أو (سيزر).
حضر الفيلم حشد كبير من الإعلاميين والحقوقيين الأميركيين، وبعد عرض الفيلم، قرأ الإعلامي السوري توفيق الحلاق رسالةَ شقيقته مريم الحلاق إلى مشاهدي الفيلم، بعدما تعذر عليها تلبية الدعوة لحضور عرض الفيلم، بسبب العراقيل الإدارية التي واجهتها، للحصول على تأشيرة دخول إلى أميركا. رسالة مريم لخصت مطالب ذوي ضحايا نظام الأسد، في الإسراع بإطلاق سراح عشرات الآلاف من المعتقلين الذين يعذبون ويموتون كل دقيقة، وبمحاكمة الأسد والجلادين على جرائمهم ضد الإنسانية. بعد ذلك، عقدت على خشبة المسرح، حلقة نقاش شارك فيها مايكل إيزكوف كبير مراسلي التحقيق، وسارة أفشر مخرجة الفيلم، وستيفن ل. راب، السفير الأميركي السابق، في مكتب العدالة الدولية لجرائم الحرب، في ظلِّ إدارة الرئيس أوباما، وقتيبة إدلبي، أحد الناجين من الاعتقال في سورية، ومحمود، وهو ناجٍ آخر من الموت. أوضحت سارة كيف أنها صدمت بشدة من الصور التي سرّبها قيصر، ووجدت أنها دليل كبير، وله تأثير بالغ، وقالت: إنها بدأت التحقيق في الصور، ومسألة الاعتقال برمتها، وقررت أن تصنع فيلمًا حول هذا الموضوع.
تحدث المعتقلان السابقان قتيبة ومحمود عن تجربتهما الخاصة في الاعتقال، وبخاصة عن الزنازين المكتظة، والظروف الصحية السيئة، ونقص الرعاية الطبية. وقالا: إن التعذيب كان جهنميًا، وإن الظروف المعيشية اليومية كانت نفسها من أشد أنواع التعذيب. كان كثير من المعتقلين يعانون من نقص الوزن الشديد، وكانت الأمراض الجلدية منتشرة بين الجميع تقريبًا، وهناك أشخاص لقوا حتفهم نتيجة تلك الظروف. “أحيانًا، كنا نتمنى الموت! ويشعر كل منا بواجبه أن يتكلم عن ذلك الجحيم نيابة عن الناس الذين لا يزالون داخل السجون، ولا يزالون يعانون -كل يوم- حتى تتوقف تلك المجزرة”.
نوقشت في تلك الجلسة الحوارية، الحاجة إلى مراقبين دوليين، يتمكنون من الوصول إلى مراكز الاعتقال، والضرورة الملحة لتحقيق العدالة والمساءلة. وأوضح ستيفن راب “أن حالة الاعتقال هذه ومعاملة السجناء، توفر لنا مسوغات قانونية واضحة، وأن هذه الجرائم أسهل لإثبات مسؤولية المرتكبين، من جرائم ساحة المعركة”. وقال: “من المهم أن المحاكم الأوروبية بدأت تقبل محاكمة المتورطين في هذه الجرائم، ويبدو أنه لن يكون هناك إفلات من العقاب على هذه الجرائم، وأعتقد أن تلك المحاكم ستُصدر -قريبًا- مذكرات اعتقال دولية”.
المخرجة سارة شجعت الناس على تنظيم عروض في أوساط المجتمع، للفيلم الوثائقي، والحفاظ على استمرار الحديث عن قضية الاعتقال في سورية.
الكاتب : توفيق الحلاق – إعلامي سوري