الامتحانات في مصر تشعل غضب التلاميذ وانتقادات لردود الأمن
لم تشهد شوارع مصر احتجاجات سلمية منذ فترة طويلة، حتى قام عدد من طلبة الصف الأول الثانوي في القاهرة ومدن أخرى مؤخرا بكسر هذا الصمت بمحاولة التظاهر ضد بعض سياسات وزارة التربية والتعليم المصرية. بيد أن قوات الأمن تعاملت بالقوة مع التظاهرات، رغم قلة عدد المشاركين بها وألقت بالقبض على عدد من الطلبة، قبل أن يفرج عنهم في وقت لاحق “لحرص وزارة الداخلية على مستقبلهم”، وفق ما ذكرته تقارير إعلامية مصرية محلية.
امتحان الكتروني أم ورقي
يعترض الطلبة على قرار وزير التعليم المصري إجراء امتحانات نهاية العام الدراسي إلكترونيا لأسباب تقنية، حيث اضطرت بعض المدارس إلى الانتقال إلى نسخة الورقية للامتحانات، وهو ما تسبب بدوره في ضياع الوقت المخصص للإجابة على أسئلة الامتحان.
وكانت اختبارات الصف الأول الثانوي قد بدأت في مصر في الـ 19 من شهر مايو/ أيار الجاري، وفي بيان صحفي نشرته على موقعها في اليوم التالي، أكدت وزارة التربية والتعليم على عدم تلقيها لأية شكاوي “تؤثر على سير العملية” حيث أدى جميع الطلاب الامتحان سواء إلكترونياً أو ورقياً.
وما أن وقعت اعتداءات قوات الأمن على المجموعات التي خرجت ببضعة مدن للتظاهر في اليوم الثالث من الامتحانات، حتى بدأ مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي في تداول مقطع فيديو لطلبة تهتف أمام مقر وزارة التربية والتعليم واصفين العملية التعليمية بـ ” الفاشلة”، ليقوم بعدها أفراد الأمن بالتعامل مع الطلبة بطريقة اتسمت بالعنف، بحسب شهود عيان.
وعبر مصريون على مواقع التواصل الاجتماعي عن استنكارهم بسبب الطريقة التي تم التعامل بها مع الطلبة التي اعترضت على شأن خاص بقضية تعليمية، لينتهي بهم الحال في قبضة قوات الشرطة بقضية أمنية.
وتحدث البعض عن مخاوف حول مستقبل الطلبة، والذي يبلغ عددهم 650 ألف وفقا لموقع وزارة التربية والتعليم المصرية، عقب التعامل بعنف معهم بينما لا يتعدى عمر أغلبهم الـ 17 عاماً.
“أطفال الثورة“
وفي الوقت الذي تبتعد فيه القوى السياسية والاجتماعية في مصر عن التظاهر السلمي كوسيلة للتعبير عن الرأي، فإن إقدام طلبة الصف الاول الثانوي على التظاهر للتعبير علنا عن اعتراضهم على بعض السياسات التعليمية يمكن أن يكون له بضعة تفسيرات.
وفي حوار أجرته DW عربية، يشير دكتور عمار على حسن، الكاتب والباحث في علم الاجتماع السياسي، إلى الجيل الجديد من المراهقين “الذين كانوا أطفالا بالمرحلة الابتدائية عند قيام ثورة يناير” وعدم معاناته من مشاعر الإحباط الموجودة حاليا لدى الجيل السابق له. ويقول الخبير المصري: “شارك الجيل الأكبر في الثورة وشاهدها لا تحقق أهدافها وأصبح متردداً بشأن جدوى الاحتجاج ومتخوفاً من عواقبها، أما الجيل الجديد فهو لا يعلم شيء عن قانون التظاهر وقانون الطوارئ ولا يدرك عواقب تطبيقهما، كما أنه غير معني بالأمر ولا يفكر فيها بالأساس“.
ولا تعد هذه المرة الأولى التي يتظاهر بها طلبة المرحلة الثانوية في مصر خلال السنوات الأخيرة، سواء في محيط مقر وزارة التربية والتعليم أو أمام المدارس، ضد قرارات خاصة بالعملية التعليمية. فقد شهد عام 2015 تظاهرات للطلبة ضد تخصيص درجات للسلوك والحضور وصلت إلى حد إلقاء الشرطة المصرية قنابل الغاز لتفريق المتظاهرين. كما شهد عام 2016 تظاهرات ضد قرار امتحان طلبة مدارس اللغات في المواد العلمية بلغة اجنبية بدلا من اللغة العربية دون استعداد مسبق.
ويقول دكتور عمار على حسن: “هذا الجيل تعود على نمط معين من التلقي في المدارس وفوجئ بأن النظام التعليمي ينقلب رأسا على عقب، لهذا كان يجب على وزارة التربية والتعليم أن تتدرج في محاولة إدخال أليات جديدة بحيث تكون الأجيال الجديدة مؤهلة نفسيا، بالإضافة الى ضرورة تأهيل البنية التحتية في المدارس“.
الأمن ينفي استخدام القوة
بالمقابل أكد مصدر أمني لعدة صحف ومواقع إخبارية مصرية محلية على أن صور اعتداء قوات الأمن على الطلبة، التي يتم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي، تعود لعام 2015 لأشخاص لا ينتمون لوزارة الداخلية.
ولام مراقبون وزارة التربية والتعليم عدم التعامل بشكل مباشر مع الواقعة والتحدث بصراحة عنها في مقابل إقحام الشرطة للتصرف مع الطلبة الغاضبين.
ويفسر دكتور عمار على حسن لـ DW عربية لجوء الشرطة لاستخدام العنف بكونه “نابع من مخاوف النظام السياسي من اتساع المظاهرات” حيث يقول: “هناك قرار غير معلن بقمع أي حركة احتجاجية قبل انتقالها الى شرائح مجتمعية أخرى لتجنب تكرار احتجاجات ما قبل ثورة يناير و الاحتجاجات الأخرى التي واكبتها، حيث أن أي تساهل بهذا الشأن يمكنه أن يعيد الكره مرة أخرى“.
كما يرفض الكاتب والباحث في علم الاجتماع السياسي اتباع حلول أمنية لمشاكل تتطلب من الدولة العمل على تقديم حلول ورسم استراتيجيات ملائمة.
وينبه حسن كذلك إلى ضرورة إدراك الدور الذي تلعبه السمات النفسية والبيولوجية للمراهقين، وكل ما يمتلكوه من دوافع قوية خلال هذه المرحلة العمرية لتحقيق اهدافهم واحلامهم ويقول: “كان من الممكن الحديث مع الطلبة ومحاولة استيعاب العفوية التي يتسمون بها، خاصة وأن احتجاجاتهم غير مُسَيسَة والقوى السياسة التي تخشى الدولة استغلالها لمثل هذه الأحداث لم يعد لديها القدرة على الاستجابة أو قيادة الشارع“.